كنت أتسائل دائماً أين مكان الأعراف وكيف هم يعيشون !؟ هل في راحة أم في عناء !؟ كل ما أعلمه بأن الأعراف هم من تساوت حسناتهم مع سيئاتهم ولا أعلم يتواجدون في أي كينونة, وكيف هو حالهم وما أحوالهم !! لكن كل ما أنا متأكد منه بأن الله ليس بظلامٍ للعبيد, ولا أنكر أنني كنت لا أمانع بأن أكون أحدهم في إحدى الشطحات التي دائماً تراودني بخصوص ما سأواجه يوم القيامة.
أنا ذوي احتياجات خاصة.. مريض بداء اسمه الطبي التصلب المتعدد, أصبت به منذ ثلاثة عشر عام, وأعراض المرض تمس كل عضو موصول بأعصاب من الجهاز العصبي المركزي.
وأنا أمارس تمارين رياضية قدر الإمكان لأبقى بوضع شبه مستقر, وأتعايش مع المرض وأحاول أن أتعاطى مع كل عضو تالف حسب حاجته.. فعلى سبيل المثال أنا أستخدم القسطرة الذاتية لإخراج كل المياة الدخيله على الكلى بإدخال أنبوبة تتكفل بتسريب كل سائل متراكم في الكلى وإلا سأشعر بأني أريد دورة المياة أكرمكم الله باستمرار وفي كليتي مياه تطلب مني الذاب وإجراء عملية القسطرة سريعاً وإلا لن أكون بحال مستقر, كذلك عضلاتي تحتاج تمارين لأني وبطبيعة المرض عضلاتي ليس بكامل قواها وتحتاج الحركه وإلا ستموت بالتدريج كلما أهملتها, كذلك نسبة شباعي من النوم تلعب دور كبير في اتزان جسدي.
ومن هنا تبدأ القصة..
يوما ما.. شعرت بالارهاق لأني بقيت مستيقظ طويلاً.. فعلى غير العادة لم أجري عملية القسطرة قبل النوم وذهبت لسريري واستلقيت لأنام وأصحو بعد أن تتجدد طاقتي ونشاطي…
وبعد ساعة ونصف او ساعتان إستيقظت ووجدت نفسي على حافة السرير.. وأي حركة خاطئة ستطيحني على الأرض وأنا غير مستعد لهذا الوضع.. جسدي مهدد بالسقوط.. وأنا غير مستعد.. وفجأه شعرت أن المثانة ممتلئة وأحتاج إجراء عملية قسطرة مستعجلة وتذكرت أني تساهلت قبل الإستلقاء ولم أقم بالقسطرة لشدة أرقي.. وأنا على حافة السرير لا أريد أن أقع لأن ذلك سيشكّل عائق آخر فالحركة ليست سهلة.. تماسكت وحاولت أن أمد يدي لأي شيء يمكنني الإستناد عليه وبصعوبة رفعت نفسي على السرير.. وتمكنت من التحكم بجسدي بشكل كامل.. وجلست على حافة السرير وانتقلت منه على الكرسي المتحرك الكهربائي وذهت إلى دورت المياه.. لكن حين محاولت إجراء عملية القسطرة فشلت.. فلا اتزاني منضبط.. ولا حركتي متمكنه.. وأفكاري ثائرة وقلقة أن لا أُحدث أي فوضى على سريري وتصعب عودتي إليه.
بعد فشلي عدت من دورة المياه بالكرسي المتحرك واقتربت من سريري.. لكن لم أنتقل اليه.. تنفست الصعداء فقط دون محاولة فعل أي شيء آخر.. قررت الهدوء وهدأت واستغفرت ونطقت الشهادتين.. وهدأ جسدي من الحالة المضطربة.. وذهبت إلى دورة المياه لكن هذه المره بهدوء, وأجريت عملية القسطرة وعدت لسريري وأنا أفكر.. أن يا له من حال أصعب من صعب.
وبعد أن عشت تلك اللحظات الحرجة هدأت.. وكالعادة بدأت أفكر في ما جرى.. الحمدلله والشكرلله على كثرة المواقف شديدة الصعوبة والإبتلاءات التي يجعلني أعيشها ربي الرحيم إلا أني بفضله ورحمته لم يخطر على بالي أن أغضب أو أعترض أو لا أرضى بالحال المزري الذي أعيشه, كل ما كان يدور في بالي في تلك اللحظات أن هذه هي معيشة الأعراف, فأنا لم أكن على سريري بل كنت على حافته ولم أقع على الأرض.. وأي حركة خاطئة قد تثير غضبي أكثر وتفقدني السيطرة على نفسي.. وأفكاري تتسائل مالذي يحدث الآن.. وآراء متناقضه حول رضائي التام بكل إبتلاء وإستسلامي المطلق لمشيئة الله.. وفي خضم كل هذه الفوضى أريد الذهاب إلى دورة المياة بأسرع وقت قدر الإمكان, ربما هذا هو حال الأعراف.. فهم ليسُ في جنّة ولا في نار.. وهذا لا يعني أنهم في حالة مستقرة أبداً ولا أعلم في ماذا هم مضطربون.. لكم كل ما أعلمه أنهم في حالة يرثى لها.
أسأل الله أن يرحمهم كيفما كان حالهم, وأن يرحمني ويرحم المسلمين أجمعين برحمته وعطفه ولطفه.