مؤخرا كنت في المستشفى.. وهو أمر ليس بغريب تواجد حالة كحالتي في مستشفى.. على أية حال حديثي ليس عن معاناتي التي دائما أتعايش معها خارج المنزل وخاصة في أغلب المستشفيات الحكومية, لقد كان موعدي لأتلقى النصف الثاني من جرعتي الأولى من علاجي الجديد على جسدي.. لأنني كنت أسير على علاج أضعف منه لكن جسدي لم يستجب إستجابه منشودة فغيرت العلاج لعلاج أقوى وجديد.. ولأنه علاج قوي عليهم التأكد من أن جسدي نظيف من أي جروح ومعافى من أي إلتهابات قبل البدأ بتغذيتي للعلاج, وهذا آخر ما توصل له الطب للتعايش مع مرض التصلب المتعدد علاج إسمه "ريتوكسيماب".
كنت أعتقد بأني سأذهب إلى المشفى أتلقى العلاج لمدة ثلاث ساعات وأعود للمنزل.. لكن الإجراءات قبل تغذيتي بالعلاج والعلاج وما بعد العلاج أبقاني ثلاثة أيام على سرير المشفى.. هي أمر طبيعي لكني لأني كنت قد هيئة نفسي لأربع ساعات بالكثير وطالت إلى ثلاث أيام لم أكن مهيئ لذلك ومستعد.. فبدأت أفكاري بالتضارب والتخبط بين زوايا عقلي, بالإضافة إلى أن ليس هناك غرفة منفردة في المشفى يمكنهم نقلي إليها لكي أستطيع السيطرة بشكل كامل على جسدي وكل ما يحويه.. كل الغرف لمريضين إثنين ومرافقيهم ولا تسع لأكثر.. وفي الغرفة التي كنت فيها كنت على سرير والسرير الذي بجانبي عليه مريض دائماً من غير المناسب أن نبقى أنا وهو في غرفة واحدة لكني أتقبل ذلك دائماً وأحاول أن لا يعنيني.. وفي ذلك اليوم كانوا المرضى بجانبي جميعهم كبار في السن يأتون ويبقون تحت الإشراف الطبي إلى أن يحين موعد عمليتهم ويتم أخذهم لغرفة العمليات ويعودون بعد العملية ويأتيهم الزوار يتحمدون لهم على السلامة ثم يعودون لمنازلهم جميعهم ويُحضرون حالة مرضية غير ملائمة أخرى للبقاء معي ويحدث نفس الأمر.
وهذا ما كان يحدث.. وحديثي لهم ولنفسي مع نفسي يستمر بعلو صوتي الداخلي.. وكان كل رجل مسن يدخل الغرفة مع مرافقه والذي غالباً يكون إبنه, ويكون أول ما يزعجني في تواجد المريض أنه يريد إطفاء التكييف ويطلب ذلك من إبنه أو الممرضين ويبدأ جسدي وكل ما بداخله يثار ثم أبدأ داخلي بترديد كل ما أراه شتائم قاسية بعد ذلك يكون غليان غضبي وصل لعقلي وبدأت أفكاري الخارجة عن يدي بالسيطرة علي, غالباً هي الأمور نفسها التي دائماً تقودني لنفس منتهى الطريق والتي هي تواجدي في مكان لا أطيق التواجد فيه.. فأنا خارج المنزل وذوي إحتياجات خاصة ولا أعلم كيف هي دورة المياة في المكان والتكييف لا يعمل وحالتي المرضية تتطلب التواجد بإستمرار في هواء بارد وحالتي النفسية تتطلب دائماً تواجدي في هدوء وإلى ما هنالك من إحتياجات خاصة أخرى.
كنت دائما عندما يأتي مريض ويعالجونه بعملية ويعود أتحدث إليه في سريرتي أنه كان مريض.. والأطباء يعلمون مرضه ويعلمون كيف يتم علاج مرضه والعمليه التي عليهم القيام بها.. وتم شفاءه.. وأصرخ بصمت أحمد الله وأحمده أنت واشكره لأنني مريض منذ أكثر من عشر سنوات بمرض أعراضه أعراض كل الأمراض وليس له علاج ولا عمليه ولا شفاء.. والمرض موجود منذ ستمئة سنة وربما أكثر, ويحدث نفس السيناريو مع كل حالة تأتي لنفس الغرفة المنوم بها إلا آخر حالة أتت على السرير بجانبي, لم يكن رجل كبير في السن.. وكان موعد عمليته لم يتم تحديدها لأن الأطباء تحدثو مع الحالة وقالوا له سنتركك تفكر وتختار موعد العملية غداً أو بعد غداً.. وعمليته كانت بتر إحدى قدميه.. توقف هنا كياني وكل ما يمكن رؤيته مني.. حالتي يتحكم بها صمت رهيب.. للحظات بقيت صامتاً أفكر.. أيمها أكثر مشقة.. مرضي أم البتر !! وعندما فكرت بأكثر عضو يمكنني التنازل عنه لم أصل لجواب.. ولم أستطع إقناع نفسي بأيهما يمكن تحمله أكثر مرضي أم بتر عضو.. بقيت صامتاً مستسلماً.. حمدت الله على كل شيء وكل حال.. ودعوت للمريض بتفريج همه وتهوينه عليه.. وأن لا يضعني الله في موقف كذاك.