الفصل السابع عشر والأخير
الرسالة الأخيرة
غريبة الدنيا بكل مافيها.. وليس هناك أحد من جنسي يعلم ما بعد الدنيا وحي.. وأنا لم أستطع سوى أنظر للأمر إلَّا من الزاوية المعتادة.. أخطط للوصول لغاية.. أبذل كل ما بوسعي لنيله.. أصبر صبراً ليس كمثله صبر.. أنتظر بأمل وكأن الإنتظار خلقه الله لي.. وبعد أن تسقط كل توجهاتي لتلك الغايه وأتبرأ منها وأصبح لا أريدها.. أكرهها.. لا أحتاجها.. لا أطيق سيرتها.. تصبح بين يدي وأعيشها.. مذ ولدت وحياتي تسير على هذا المنوال.. كأن الله يرسل لي رسالة أن عليَّ بمزيداً من الصبر وسيأتيني ما أريد.. فقط علي أن أتحمَّل.. إنه شعور قاتل عندما تتمنى شئ وتنتظر لحظة الحصول عليه بصبر كل المخلوقات وعندما تموت حواسك يصبح ذلك الشئ بين يديك.
أبكي كثيراً وأخاطب الله قائلاً.. يا الله أخشى أن أعيش في دنيتك وأجاهد في سبيلك أنتظر الفرج بلا جدوى.. نعم يقبل فرجك لكن بعد أن تموت رغبتي فيما أريد.. أنا الآن لا أعتبر نفسي إلا إنسان.. مخلوق من مخلوقاتك.. مات.. وأنت أعلم مني بالفرق بين الحي والميت.. أنا يا الله أنتظر موتي.. لكن بمشيئتك.. حاولت أكثر من مرة أن أقتل نفسي علَّني أنتهي من هذا العذاب.. وفي كل مرة كنت لا تسمح هذا الشئ أن ينتهي لحكمة أنت تعلمها فقط.. لقد إنتظرت كثيراً ولم يعد كياني يحتمل المزيد.. ولست الآن بذرة حاجة لجنتك.. قلت بأن الصابرون يوفون أجورهم بغير حساب.. لا أريد أجراً سوى أن أعود للشئ الذي لم يكن شئ مذكورا كما وصفتنا قبل أن نكون شئ.. لكن إختصر عليَّ مسيرة دنيتك وإنهي حياتي الآن.. فأنا لم أعد أطيق البقاء هنا.. أرجوك يا الله.. لا تحملني ما لا طاقة لي به وفي النهاية أنا لا أريد شئ من النهاية كيفما كانت.. أنا يا الله لا أريد منك جنة أو نار أو حتى أن أقف على أبوابها.. كما وقفت في دنيتك على أبواب كل رغبة بحسن نيَّة.. وفي النهاية.. أحصل على لا شئ.. أعلم بأن حكمتك أكبر من فكر مخلوق من مخلوقاتك.. لكني بصفات إنسانية هذا لا يُعقل بالنسبة لي بجميع المقاييس ومن كل الزوايا.
عندما أسأل أمي عن ولادتي.. تجيب بأنها كانت أجمل ولادة.. سهله.. وبسيطة.. ولم يكون لها ألم.. حتى أنني بعد الولادة لم يكن لي حس كالأطفال.. بكائي نادر.. وليس لي صوت مزعج.. هادئ, أحزن على حالي كثيراً وأبكي اليوم.. لأنني لا زلت بصفاتي التي ولدت بها.. كل فئة عمرية مررت بها كنت أرى من هم بعمري يعيشون أعمارهم.. إلا أنا.. ليس هناك عمر عشته كما ينبغي.. أحياناً أشعر بأنني شئ ملَّ مني.. أنتظر بحرقة اليوم الذي يسمح في الله لملك الموت أن يقبض روحي.. ولا أريد جزاء.. فقط أريد أن أتحدث مع الله قليلاً قبل أن أكرر طلبي الذي دعوته به بكل الصيغ ملايين المرات وهو الوحيد الذي لم يُجاب.. ربما حاله كحال الأدعية الأخرى.. عندما تُولد في قلبي رغبة في الحياة أموت.. ليس بيدي شئ سوى التمهيد للنهاية مع الأخذ بعين الإعتبار أن مهما حدث في حياتي فإن الموت سيبقى رغبتي الأولى والأخيرة ولن تتغير هذه الفكرة.. كما عشت وكانت متصدِّرة كل الأفكار في كل المراحل العمريَّة.
حبيبتي.. أفضِّل أن يكون حديثي لكِ مباشر.. ولا يراه أحد…!!
هكذا.. ولدت ولا أعلم لماذا.. ولا تتجاوب الحياة مع أي شئ مني.. إنِّي شئ لا أعلم ما هو.. هل أنا معادلة ليس لها حل !!