حقيقةً لا أحب أن أطلق كلمة "سذاجة" علي السُذّج, فعموماً لا أحب الكلمات التي تُميل إستواء الحياة والتي تخدش صفاء الدنيا برأيي وتقلل من جمالها بصياغتها القاسية, إنما أنعت هؤلاء الأشخاص بالجهل.. وكما ذكرت في مقالٍ سابق بأن عوامل الجهل هي الحضارة والتسيُّب والتفكك الأسري وضعف الوازع الديني والشغف بالمصلحة الشخصيَّة وهي ليست عوامل تعبِّر عن معنى واحد, بل هي متفرعه في معانيها.. وسأتكلم في هذا المقال عن إجتماع بعض الأسباب التي قادت كثير من الشباب والفتيات لتصرفات متخلِّفة يعتقدون أنهم بها وصلوا لذثروة المعاني.
أغلب الشباب والفتيات بل وبعض الأطفال وصلوا لمرحلة قناعة مطلقة خاطئة يظنون أنهم بها لا يحتاجون لمزيد من الخبرة في الحياة ليعيشوا آمنين ومستقرين نفسياً وجسدياً, وبالتأكيد كل ذلك بسبب الجهل وعدم المسؤولية المفروضة واللازمة وفقدان عنصر الرقابة, أصبحوا لا يكترثون لما يمكن أن يفيدهم للوصول لمكانه شريفة رفيعة وراقية بين العائلة والأصدقاء أو المجتمع والوطن, بل إتبعوا أهوائهم التي قادتها الحضارة لأمور كثيرة غالباً سخيفة, ومن تلك الأمور التي غزت عقول هذا الجيل وأثارت قلوبهم هي "الحب", وهذه المسأله غاص في بحرها الكثير وطفى عليه الكثير وحلَّق فوقه الكثير ولا زالوا يتجولون عنده ويبحثون عنه بجنون.
هذا الزمان أطلق عليه أحد العُظماء إسم "زمن الغربه" وهو بالفعل زمن الغربه الذي يغتربون فيه الأبناء والآباء وهم داخل منازلهم, فالآباء إنشغلو تماماً عن أبنائهم بأعمالهم التي هي حجةً لهم للهروب من المسؤوليات أو لإشباع الرغبات الخاصه أين كانت, أما الأبناء فبدأوا يبحثون عن حياتهم خارج المنزل بين أصدقاء وأحباب, لأن الأب بعيداً كل البعد عن إبنه والعكس.. والأم أيضاً, فأولياء الأمور لا يعرفون ولا يهتمون لهوايات رعيَّتهم ولا لتنميتها أو ما يحبون ويرغبون ولا يوفرونها لهم وتركوا هذه المسؤولية لهم, ولا يهتمون لتصرفاتهم إلا إذا أخطأوا بالرغم من أنهم لم يعلِّموهم مالذي يجب فعله والذي لا يجب فعله وما يجب ملازمته ومايجب الحذر منه, وعندما كشف الأبناء هذا الأمر الذي هو عدم إنتباه آبائهم إلا وقت يعلنون عن أخطائهم جهراً أصحبوا يفعلون ما يريدون ولا يهمهم إن كان صواب أم خطأ بل لا يعرفون لكن كل ما يفعلوه يحفظوه سراً لأنفسهم إحتياطاً ليتجنبوا لوم ومعاتبة وعقوبة أهاليهم لهم.
لكل سن أسباب للحاجه للحب فالأطفال بطبيعتهم يحتاجون لعاطفة آبائهم وحنان أمهاتهم, وعندما يكون الأطفال تحت رعاية الخادمة والسائق بالتأكيد سيبحثون عن من هو جدير للإهتمام بهم حسب الحاجة ولمن هو متفق معهم ومهتم بهم. والمراهقة الحب فيها إحتياج فطري يحتاج كل جنس للجنس الآخر لمشاركت حياته فهو السن الذي تنقلب فيه كل أفكار الشخصية, فالرجل يعتقد بأنه الأب والإبن والأخ وهو صاحب مسؤولية وأنه سيحتاج للجنس الآخر كمعاون لمساعدته في أمور الحياة العامة, وقِس علي ذلك أمر المرأه, وغير ذلك في سن المراهقه من حكمة الله أن هرمونات الرجل تميل للمرأه عاطفياً وجنسياً كذلك المرأه للرجل, وكل من دخل هذه المرحله سيعتقد بأنه لو وجد الجنس الآخر الذي يحبه ستنحل كل مشاكل حياته من أكبرها إلى أصغرها, أما سن ما بعد المراهقة سنٌ غريب, إن لم يعيش المراهقة والطفولة في سنها الطبيعي فيعيشها في هذا السن, وإن كان قد عاش طفولته ومراهقته في عمرها الطبيعي فيكون في هذا السن يريد تحقيق ما يحلم به ولتحقيق حلمه يجب توفُّر الجنس الآخر إن لم يكن هذا هو الحلم, وليس لنا في هذا الأمر حكمة إنما هو قانون سنَّه الله.. وفي هذا العمر تصعب الحياة أكثر وتوفُّر شريك الحياة إحتياج فطري وعندها يصعب تقبُّل عدم توفُّر سند للإنسان في أمور حياته منما سيزيد الضغط, وهذا أحد أسباب التصرفات الساذجة.. فالضغوطات تقوده لأن يتصرف بشكل غير حضاري على الإطلاق وعندما يقوم بهذه الفعله ويراه أحد سيتعلم منه وينقاد لفعل نفس الأمر, وهكذا تتزايد أعداد الساذجين أو الجهلة الذين يعتقدون بأنهم علي صواب عندما يُكَوِنون علاقةً مع جنس آخر, وهناك الحب فالكِبَر فهو يكون لإشباع الرغبات الجنسية وللخدمات وتسهيل أمور الحياة العامه, ويكون أحيانا لمنفعه ماديه وأمور وجليَّة.
هناك أناس لا يُأمنون بقدرات أنفسهم اليوم منما ُحَوَّلهم إلى جهلة عند وصولهم لمرحله بالغة الصعوبه في حياتهم ويكونوا حينها ليس أمامهم خيار سوى إنكار قدراتهم جهراً, قال الله تعالى في كتابه الكريم {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} وهذا دليل على أن عدم إتباع النفس هواها دليل علي الخوف من الله, وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما رجعوا من الغزو: (رجعنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر)، قالوا: وهل هناك جهاد أعظم من جهاد الكفار ؟ قال: نعم.. جهاد النفس), وعدم فهم تطبيق أحكام شرع الله سبب نسبته كبيرة جدا لما يحدث من جهل, والحضارة لعبت دور في إلهاء المسلمين عن دينهم, لكن الحياة مُلك لله ولا عجب في أن نرى اليوم ما ذكره آخر الأنبياء عليه الصلاة والسلام قبل ألف وأربعمئة عام.
هذه أسباب حاجة الشباب للحب إلي هذه المراحل من العمر, أما الطرق التي إتخذها الكثير للعثور علي الحب فهي أكثر من خاطئة ولم أجد كلمة تصفها أو حتى تكون قريبه من وصفها.. فالحضارة قضت علي مفهوم الحب الحقيقي, فحب الزمن هذا عبارة عن أفلام سنمائيه شاهدناها وأغاني طربية سمعناها وأشعار غزلية قرأناها, وأصبح ما يُطبق عبارة عن تكرار لمشاهد أو أصوات أو كلمات عن الحب ويعيشوا تلك الأجواء ويعتقدون بأنهم ملكوا الدنيا بهذا الحب المُقَلّد وعندما لا يتطابق واقعهم مع المشهد الدرامي المقلَّد ينبذون الحب ويميلون بأهوائهم لنفس ردة المغناة أو ما سمعوه من شاعر حزين أو ما شاهدوه من الفيلم المعيَّن, وكل ما نراه في هذا الزمن يشوه الصوره الأصليه للفعل, وهل يعقل بأن يكون الحب هو تعري للأجساد مثلاً أو أغاني نقتل أنفسنا عندما نسمعها أو أن يحكم الحب كلماتٌ نقرأها بالتأكيد كل الإجابات ( لا ), ليس الحب أي تصوير سنمائي إبتداءاً من أفلام "عبدالحليم حافظ" إلي "أحمد حلمي" ولا بأغاني أقدم الفنانين إبتداءاً من "أم كلثوم" إلي "حسن بلونه" وليس بأشعار أقدم شعراء الحب إبتداءاً من بشعراء الجاهليَّة إلى أشهر شاعر بدوي أو مخضرم, وهذا ما يعيشونه شبابنا وكبارنا للأسف إتبعوا وسيلة التكرار ولم يطلقوا عنان الأحاسيس والمشاعر الحقيقيه أو وليدة اللَّحظة, وبرأيي هذا لا يعني أنه يخلو من الإحساس الحقيقي بالحب لكنه مؤقت ربما سيدوم ليوم واحد أو أسبوع أو شهر أو سنه أو سنوات لكنه يموت في يوم قريب من يوم ولادته لأن الإعلام لم يعلِّم المتلقِّي سوى ردود فعل حزينة, بينما لو عدنا لأول حب عرفه تاريخ البشر وهو حب آدم لحواء سنعرف ونعي ماذا تعني كلمة الحب, فلم تكن هناك شخصيات يتقمصون صفاتها أو يكذبون بتكرار كلماتها أو يرددون أناشيدها.
إن الحب معقد ولا أعتقد أن في الدنيا أحداً سيعبِّر عن وصفه بشكل يرضي جميع الأذواق, فعلى سبيل المثال لو سألتني ما هو الحب سأجيبك بأن لدي إجابتين يترتب على كلا الإجابتين مسار مختلف في أنه "لو كان ولو لم يكن" فالأولى هو تضحية بحتة مطلقة وبقدر ما يحب المحب المحبوب سيقدم له لإبتكار يناسبه, أما الإجابة الثانية هي أن الحب لغز جوابه في سؤال لا أعرفه !!